قراءة في سورة الفاتحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين (7)
صدق الله العظيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الله : إسم الجلالة – إسم الألوهيّة
الرّحمن : هو الإسم الوحيد من أسماء الله الحسنى على وزن “فعلان” وهو الوزن الذي يحوي الأضداد في بنيته. وهو إسم الرّبوبيّة للّه سبحانه وتعالى على هذا الكون المبنِي على ثنائيات الأزواج وثنائيات الأضداد وثنائية المتناقضات.
-
الرحمن رحيم : وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (الأنعام 54).
-
الرحمن شديد العقاب : يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (مريم 45)
إذا وقفنا عند “بسم الله الرحمان”، سيكون السؤال “الرحمن الرحيم” أو “الرحمن شديد العقاب” ؟ أو الرحمن “المعزّ” أو الرحمن “المذلّ” ؟ …
-
الرحمن هو رب السماوات والأرض وما بينهما “رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَٰنِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا” (النبأ 37) فهو مسيطر على الكون وعلى العرش، و يفعل ولا يتكلم وهذا يتبلور في قوانين الوجود الموضوعية. “الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا” (الفرقان 59) وهو اسم الخبرة والله يحاسبنا يوم الدين بصفته الرحمن “يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا” (طه 108).
-
القرآن هو كتاب الربوبية “الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)” وهو يحتوي على القوانين المادية الأساسية للوجود.
-
قوانين الرحمن هي قوانين الوجود (الحقيقة) والشيطان يوقعنا بالوهْم (الباطل).
الرحيم : إسم صفة من أسماء الله الحسنى وهي رحمة خالصة بدون عذاب وتأتي هنا للتأكيد على رحمة ربّ العالمين. وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (الأعراف 156)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
-
الشعراء 23-24 : “قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24)“
لماذا رب العالمين وليس اله العالمين؟ الله رب الجميع رغما عنّا. رب المسلم والمجرم والمشرك والكافر به … ولكنه اله المؤمنين به فقط….
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
-
الرحمن 1-2 : الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) : الرحمن من النبوة*
-
الأنبياء 107 : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ : الرحيم من الرسالة*
*سنتعرّض إلى هذه النقاط في محاور أخرى
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
الإنفطار 19 : “يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ”
نحن في الدنيا عباد الله لأننا أحرار نطيعه أو نعصيه، أما يوم الدين أي يوم الحساب فنحن عبيده ليس لنا من الأمر شيئا والملك يومئذ لله.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
1- العبادة:
فصَل الله تعالى في كتابه الكريم بين العبادة و إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة (الشعائر) في الآية 5 من سورة البينة “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ” وفصل بين العبادة وإقامة الصلاة في الآية 14 من سورة طه “إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي” وكذلك سبقت العبادة إقامة الصلاة في كلا الآيتين.
كما نستنتج من الآية 51 من سورة آل عمران “إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ” والآية 61 من سورة يس “وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ” أن العبادة تكون في إتباع الصراط المستقيم. وإتباع الصراط المستقيم حُدّد في الآيات 151 و 152 و 153 من سورة الأنعام وهي مجموعة القيم الانسانية المشتركة بين جميع الناس.
2- الإستعانة:
نستنتج من الآيات 45 و 153 من سورة البقرة “وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ” – “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” أن الإستعانة تكون بالصبر والصلاة. (هنا وجب عدم الخلط بين الصلاة وإقامة الصلاة).
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
حُدّد الصراط المستقيم في الآيات 151 و 152 و 153 من سورة الأنعام “قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) “. نلاحظ أن هذه الآيات تحتوي على الأخلاق والعمل الصالح وهي تمثّل الوصايا التي بدأت بنوح وتراكمت مع الرسل ونفهم أن العبادة هي الأخلاق والعمل الصالح، ويتأكد ذلك في الآية 77 من سورة الحج “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.
من خلال هذه الوصايا يَعْبُد الإنسان ربّه في ممارساته اليوميّة وهنا يتموضع الشيطان ليُبعِدنا عن الصراط المستقيم كما تبيّن ذلك الآية 16 من سورة الأعراف “قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ”.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين (7)
1- الذين أنعمت عليهم:
-
النساء 69 : “وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا”
-
مريم 58 : “أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا”
الذين انعم الله عليهم هم من يتبعون الصراط المستقيم في الدنيا.
2- المغضوب عليهم:
-
النساء 93 : “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”
-
الفتح 6 : “وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا”
3- الضّالّين:
-
النساء 116 : “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا”
-
النساء 136 : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا”
-
النساء 167 : “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا”
-
ابراهيم 3 : “الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ”
-
الأحزاب 36 : “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا”
-
الملك 29 : “قُلْ هُوَ الرَّحْمَٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”